دينا محمود (لندن)

طالب محللون سياسيون الاتحاد الأوروبي بالتحرك العاجل لمواجهة الأموال التي تتدفق من قطر على التنظيمات الإرهابية والمتشددة في أوروبا، وذلك بعدما كُشِفَ قبل أيام عن أدلة تثبت استخدام «نظام الحمدين» مصارف في بريطانيا لتمويل الإرهاب.
وشدد المحللون على ضرورة أن تولي المفوضية والبرلمان الأوروبيان اهتمامهما لفتح تحقيق شامل، يستهدف فضح تفاصيل التمويل القطري للمؤسسات والجمعيات المتطرفة الناشطة في القارة العجوز، والتي يعمل بعضها تحت ستار العمل الخيري والإغاثي.
وقالوا إن نقطة البداية لهذه التحقيقات، يمكن أن تتمثل في فتح ملف مصرف «الريان» البريطاني، الذي كشفت صحيفة «التايمز» قبل أيام عن أن نظام تميم بن حمد، استغله على مدى سنوات لـ«تقديم خدمات مالية من شأنها الترويج للجماعات المتطرفة والكيانات الإرهابية».
وفي مقال نشرته مجلة «ذا بارليمينت» الأوروبية نصف الشهرية، قالت المحللة السياسية نيرفانا محمود إن ما كُشِفَ بشأن هذا المصرف المملوك بشكل كامل تقريباً للدوحة «يُبرز المخاطر المترتبة على تساهل قواعد الرقابة المالية المطبقة من جانب الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه» على المعاملات المصرفية وعمليات التمويل الجارية عبر القارة. وأشارت المجلة -التي تُعنى بتناول أنباء مؤسسات الاتحاد الأوروبي وخاصة برلمانه- إلى أن خطورة مصارف مدعومة من قطر مثل هذه، تتجسد في كونها تعمل ظاهرياً في إطار قانوني مشروع، على الرغم من أن حسابات الكثير من عملائها مع المؤسسات المالية الغربية الأخرى مُجمدة أو مغلقة، بسبب تورط هؤلاء العملاء في أنشطة مشبوهة أو مثيرة للجدل على أقل تقدير.
وذَكَرت الكاتبة في مقالها بأن اسم «الريان» الذي اختاره «نظام الحمدين» لمصرفه المريب العامل في بريطانيا، يرتبط بذكريات مريرة لدى الكثير من المصريين، في ضوء أنه كان الاسم الذي عَمِلَ في إطاره رجال أعمال مصريون تستروا بالدين في ثمانينيات القرن الماضي، لخداع مواطنيهم وإقناعهم بسحب ودائعهم من المصارف الحكومية والخاصة، وإيداعها في شركاتهم بزعم توافق قواعدها مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وأشارت إلى ما تبين فيما بعد من أن هذه الحجج لم تكن سوى غطاء لعملية احتيال واسعة النطاق، طالت عدداً كبيراً من المصريين، وتسببت في سلبهم أموالهم، قبل أن تتدخل السلطات وتقدم المتورطين في هذه العملية إلى المحاكمة، لينتهي بهم المطاف وراء قضبان السجون.
وقال المقال -الذي نشرته «ذا بارليمينت»- إن «بريطانيا أصبح لديها الآن الريان الخاص بها». وأشار إلى أنه على الرغم من أن الأمر لا يتعلق هذه المرة بعملية احتيال مالي، فإنه يبقى مرتبطا بـ«نشاط اقتصادي ومالي مشكوك فيه وفي أهدافه»، في ضوء الأدلة التي تثبت استخدام النظام القطري لهذا المصرف لتقديم الخدمات المالية لـ«الكثير من المؤسسات البريطانية المرتبطة بمجموعات متشددة ومتطرفة، من تلك التي تعمل في المملكة المتحدة أو في مختلف أنحاء أوروبا».
وشددت المجلة الأوروبية المرموقة على أنه في الوقت الذي «تم فيه توثيق الدعم الذي تقدمه قطر لمجموعات (إرهابية) مماثلة تنشط في منطقة الشرق الأوسط، في دول مثل سوريا وليبيا، فإن المؤازرة والتمويل اللذين تقدمهما الدوحة لكيانات أوروبية -مثل تلك التي يتعامل معها مصرف الريان- لم تُوثق بقدر كاف حتى الآن».
وحذرت «ذا بارليمينت» من خطورة استغلال «نظام الحمدين» للمؤسسات المالية الأوروبية لأغراضه المشبوهة، باعتبار أن ذلك يُمَكِنُه من «تمويل مؤسسات تزعم أنها خيرية، وتدرجها الولايات المتحدة على قائمتها للكيانات الإرهابية، وأيضاً مساعدة مجموعات تروج لدعاة متشددين يحضون على العنف والكراهية».
وقالت إن المصارف البريطانية الأخرى أدركت خطورة تلك المنظمات المدعومة من النظام القطري، ما دفعها إلى وقف التعاملات المالية معها، مُشيرة إلى القرارات التي اتخذتها في هذا الصدد مؤسسات مصرفية من وزن «إتش إس بي سي» و«نات ويست» و«باركليز» و«لويدز».
وأكدت المجلة ضرورة عدم التعامل مع ما كُشِف عنه بشأن الاستغلال القطري المشبوه لمصرف «الريان» بوصفه واقعة معزولة، لافتة النظر إلى ما أُميط عنه اللثام مؤخراً في هذا الإطار، عبر كتاب حمل اسم «أوراق قطر»، وألفه الصحفيان الفرنسيان كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو، وأثار ما ورد فيه ضجة واسعة النطاق في الأوساط السياسية والإعلامية في أوروبا بأسرها.
وأبرز المقال ما تضمنه الكتاب من وثائق تثبت تورط نظام تميم في «تمويل الكثير من المجموعات والمنظمات المثيرة للجدل، التي تنتشر ليس في بريطانيا وفرنسا وحدهما، وإنما أيضاً في دول ومناطق مثل إيطاليا وسويسرا وبلجيكا وكوسوفو».
وشددت الكاتبة على أن النظام القطري يعتبر تمويل التنظيمات المتشددة والمتطرفة، التي تتستر برداء العمل الخيري، «جزءاً لا يتجزأ من محاولاته المستميتة، لكسب ما يُعرف بـالقوة الناعمة في مختلف أنحاء العالم».
وأكدت أنه على الاتحاد الأوروبي ومختلف الحكومات الأعضاء فيه واجب حماية مواطني دوله، من مثل هذه الأنشطة التي تستغل النظام المالي في القارة لتمويل الإرهاب، مُشيرة إلى أهمية التفرقة في هذا الشأن بين النشاط الخيري الحقيقي واستخدام مثل هذه الأنشطة ستاراً لإيصال أموال لتنظيمات متطرفة.
وأضافت في مقالها أن هذه التنظيمات «اعتبرت العمل الخيري على مدار عقود ملاذاً آمناً، ساعدها على إخفاء أنشطتها.. بعيداً عن أعين وتدقيق السلطات المعنية» في الدول التي تنشط فيها، مؤكدة أن غالبية المسلمين الأوروبيين لا يتفقون مع تلك الأنشطة، ولا يخلطون بين الدين والسياسة، ولا يعتبرون أن المنظمات المتشددة والإرهابية مثل «الإخوان» وغيرها، تمثلهم أو تعبر عن قناعاتهم.
وخلصت المحللة السياسية إلى القول إن من حق هؤلاء المسلمين -وغيرهم من مواطنيهم الأوروبيين- أن يعلموا أين تذهب أموالهم التي يودعونها في مصارف، قد يكون بعضها خاضعاً لتأثير وسيطرة أنظمة حكم داعمة للإرهاب مثل النظام القطري.